Sultan Abolhosn
رسالة إلى روح المرحوم أبو وليد زياد سجيع جابر ابوالحسن
ماذا عساي أن أقول في رثائك أيها الرفيق والصديق والقريب عزيز وأنت من أهل الشهامة والكرم والفضل العميم , صاحب الوجه الأنيس , ومن كان خير قريب وجليس, استميحك عذرا إذا ذرفت عينيّ دمعة حارّة على غيابك .
على أعتاب غيابك المؤلم يا حبيبا لم تنعم بحياتك بما عملت وجاهدت وأنتجت وربيت
على وقع غروب وجهك الأنيس عنا , تتيه الأبجديّة خلف سحاب العمر المنكسر والمطحون بوجع المراثي , ويجرّ الزمن المعجون بخميرة القهر في لجج الفراق الصعب . في موعد لقياك مع الذكرى , نغرق في البحث عن لملمة أشلاء الكلمات التي تمزقت على وقع غيابك الموجع القاسي ,
على وقع ذكراك المحفورة داخل أفئدتنا الدامية , وعقولنا التي نهشها الترهُّل بأنياب الحسرة , تطالعنا قساوة اللحظة البطيئة , وظلم الأيام الثقيلة الرتيبة . ونسبح من جديد في عالم مجهول , لا نفقه سر مضامينه المتناثرة , بعد أن تبعثرت كل معالم حيويته برحيلك الذي كان بلا موعد أواستئذان .
على أعتاب هذا الوقت الظلامي الموحش , نلهث خلف انفاسنا المتعبة , بحثا عن طهر أنفاسك , التي هي قبسات من نقاوة ونور . لكننا سرعان ما نعود إلى ذاتنا المصابة بالتشرذم والهزيمة , خائبين ومحبطين بلا جدوى , تائهين بين لغز الحياة والموت , وفلسفة البقاء والفناء .
أيُّ سر كنت فينا, حتى تبدلت برحيلك كلّ الأحاسيس والمشاعر التي أدمنت الصمت لعجزها عن البكاء .
أيُّ إنسان أنت الذي غيرت قبلة أنظارنا وجعلت من الحياة مجرد وريقات ذابلات, نعد أيامها بملل وضجر , غير مبالين بالآتي الذي كنا نحلم بقدومه معك وبوجودك . وقد ضاع الأمل .
بل أيُّ قريب أنت , الذي أخرست فينا كل تراتيل الفرح وترنيمات البقاء وأرغمت آذاننا على الصمم , كي لا نسمع صياح الديك حتى لا نعرف متى يبزغ الفجر بعد أن تشابكت الأيام والليالي بسوادها القاتم وعتمتها الدائمة , وقد استعمر الحزن كلّ أذهاننا الجامدة العاجزة , المشلولة .
أيا فارسا وقد ترجّلت باكراعن صهوة القيم والإباء والأصالة والنخوة والشهامة والجرأة بكلمة الحق وقول الحقيقة
أيا حبيبا وقد جرعتنا جميعا كؤوس أحزاننا السابقة, رغم فداحتها وعظيم رزيّتها .
أناديك وأنت في عليائك . لأنني أعايش ترجيعات الصدى , وأحيا الغياب بتذكارات وصور لا تنسى , وأنت في جوار ربك راضيا مرضيا . بالأمس القريب كنت كتلة من النشاط والحيوية , ولم ترض رغم مرضك إلا أن تشارك الرفاق في وكالة داخلية المتن , تشاركهم مسير الوفاء , لروح المعلم الشهيد كمال جنبلاط , من المتن الأعلى إلى المختارة , لتأكيد الإلتزام بالنهج الوطني الديمقراطي والتقدمي العربي الذي يحمل رايته الآن وليد جنبلاط ضد سياسة محاور التطرف الديني والمذهبي المحلية والإقليمية وعدم ارتهان لبنان إلى أي تبعية . أما في مسؤوليتك برئاسة بلدية بتخنيه , فقد وضعت نصب عينيك تجميل البلدة وتطوير بنيتها , وصيانة بيئتها الطبيعية والبشرية , وقد نجحت في تحقيق مراميك التي لم تكتمل بعد , راهنت على خوض غمار الصعاب , في العمل النهضوي بين أهلك وبلدتك بتخنيه التي أحببتها بكل جوارحك الإنسانية , وقدراتك الذاتية , وتفاعلت إيجابا مع محيطك المجتمعي , وقد اكتسبت الثقة والتقدير في مسيرتك التنموية , على كافة الصعد فكنت رصيدا وافرا من النخوة والكرم والكرامة فلا تنسى البلدة التي احبتك لا تنسى إحدى مآثرك الطيبة , عندما كنت تجول بسيارتك المجهزة ايام انقطاع الطريق بالثلوج لتوزع الخبز على كل الأهل والسكان غير القادرين على الخروج من بيوتهم وتأمين الادوية . عاجلك القدر بضربة قاتلة , فصمدت وصبرت على آلامك ووجعك ببشاشة وجهك برضاك وتسليم أمرك لرب العالمين فصبرت صبر المؤمنين الأتقياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
صبرت على مرض عضال ليس منه شفاء , تنوء تحته الجبال فصمدت بإباء وشجاعة واستمريت في مهامك الإجتماعية تصول وتجول على أعمال بلدية بتخنيه ومشاريعها , بل أكثر من هذا , لم ترض إلا أن تشارك العائلة أحزانها بحضورك المآتم متحدّيا ظلم القدر , تتوكأ على عصاة أتعبتها آلامك المبرّحة وكأني بك تقول :
إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا , واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .
نودعك ايها الحبيب الراحل بحزن تنفطر له القلوب وأسى تنوء تحته الهامات ,
بالأمس القريب طرق القدر القاسي باب أسرتك وخطف شقيقك الحبيب مروان , وقد ذبُلت لغيابه أحلام وآمال أسرته ووالديه وشقيقك وشقيقتك التي أدماها البعد والغربة , يقضُّ السُّهادُ أسرّتهم وما زالوا حتى اليوم يجرّون الحزن والمأساة على رصيف الحياة القاسية .
اليوم نودّع غيابك الحاضر فينا , وتبقى الذكرى الجميلة في مخيلة , كل من عرفك وعايشك وصادقك وناسبك . تبقى الذكرى مشرقة لذاك الشاب الطموح , لذاك المحيا , المشرإب إلى العلياء والأمل والتقدم . عزاؤنا بما أورثت يا أبا وليد يا أغلى زياد , من قيم وأخلاق وعفة في أسرتك التي حلت بها الفاجعة الأليمة , في زوجتك الوفية نبيلة هلال وأولادك الميامين سارة ورفاه ووليد , ووالديك اللذين استعمر الحزنُ والأسى قلبيهما , وشقيقك جابر وشقيقتك جنان ما زالا ينتظران طيفك حتى في المنام . , وقناعتي بأنني مهما قلت أو كتبت ستبقى اسرتك مرمية على رصيف الإنتظار تفتش عن ذاتها الضائعة التي تحولت إلى الذات المفقودة الباحثة عن فتات الذات ,
تلك النفس الندية , سيبقى طيفها مرفرفا على أفراد أسرتك وعائلتك طوال حياتهم . فالكواكب تغيب ولا تختفي وأنت الذكرى المنيرة أبدا في مسيرة العائلة واستمرارها وتقدمها . هذه مشيئة الله سبحانه وتعالى , ولا يُحمد على مكروه سواه . رحمة الله على روحك الطاهرة , ولك بإذنه تعالى خيرُ الجزاء . ولكل من أحبّك قريبا أو نسيبا أو صديقا أحر التعازي وإنك ستبقى فلشة العطر الطيب في ذاكرتنا وأيامنا القادمة . ولنا في أفراد اسرتك كل الأمل بحمل آمالك وأحلامك التي لم تنعم بتنفيذها , دعائي برحمة اهآم عليك وفاتحة الكتاب إليك ,,,,, لروحك الرحمة وسكنى الجنان .