أعمال المرحوم التجــارية:-
لقد بدأ جده الأول علي بن ناصر بالتجارة في نهاية القرن التاسع عشر، وخلفه من بعده ابنه سليمان حيث قام بتوسيع رقعة تجارته التي شملت البحرين وقطر والكويت والإمارات في ذلك العهد، ومما يذكر أنه قد كانت له علاقة بمشيخة آل نهيان في بداية 1900 م حيث كانوا يوكلون له التأمين الخاص لقصورهم حيث يمدهم بالبهارات والقهوة والهيل وخلافه والأرز والتمور التي كانت تزرع بمزارع الناصر بالإحساء، وبعد أن توفي سليمان في أبو ظبي عام 1922م استمرت هذه العلاقة حتى العام 1968م فخلف سليمان ابنه محمد بالإشراف على أمور التجارة وقام بإشراك أخويه حسين وعبداللطيف وشاركهم أخوهم من الأم باقر بن حسين مع فتح فروع تجارتهم في مدن السعودية الإحساء والدمام والخبر والرياض وجدة. كما تم فتح فروع في الخليج عن طريق وكلاء يمثلهم. أما بالنسبة إلى فرع البحرين فكان يشرف عليه عبد اللطيف نفسه حيث افتتح الفرع في عام 1931م. ومع بداية اكتشاف النفط وقدوم الشركات الأجنبية إلى الخليج توجه الإخوة إلى تنويع تجارتهم حيث شملت المواد الغذائية ومواد البناء والمواد الصحية والأقمشة ومشاريع صناعية تخللها الحصول على وكالات للمنتجات التي يتعاملون معها, وقد تم تسجيل الشركة باسم شركة محمد الناصر وإخوانه شركة تضامن في عام 1940 م .
ومن نافلة القول أنهم من أوائل من حصلوا على سجلات تجارية وصناديق بريدية في السعودية والبحرين, ومما يذكر أن رقم صندوق البريد بالإحساء كان الرقم 5 وفي مدينة الخبر 67, وفي البحرين 239 .
فرع الشركة في البحرين:-
البحرين كأرض ذات جذور بعيدة المدى لم تكن هي دولة اليوم أو كما أطلق عليها أدباء الغرب بلد البترول. إن البحرين كأرض وكما يقول نيبور العلامة الأثري كانت من أغنى بقاع العالم في عصور ما قبل التاريخ مضيفا «لقد وجدنا في هذه الأرض وعلى عمق ليس بعيد آثارا تدل على أنها كانت موطئاً لقدم الإنسان منذ الآف السنين ويدلل على ذلك بأشياء مادية ملموسة». ولكن تظل أرض البحرين ومعها أرض الخليج العربي عموما هي من أقدم الأراضي المعمورة منذ قديم الزمن.
فوق هذه الأرض عمل المرحوم عبد اللطيف الناصر. فلم يكن موطنه الإحساء بالمدينة التي يفصلها حاجز عن البحرين، ولم يكن هناك جواز سفر يحدد إقليمية المواطن العربي فوق أرضه, فكانت الأرض عربية في ذلك التاريخ رغم مرور الاستعمار ومكوثه فوقها عشرات السنين. فقد كانت الجنسية التي تربط الحجازي بالمغربي بالمصري بالبحريني هي الجنسية العربية، وهذا المفهوم العام لم يتغير لدى أكثرية الشعب العربي رغم نجاح الاستعمار في وضع الحواجز بين القطر والآخر، فالبحريني هو شقيق السعودي والعماني هو شقيق المغربي، والدم العربي في عواطفه وفي عاداته وفي أخلاقياته واحد لن يتغير مهما تغير الزمن أو حاول الآخرون أن يغيروه.
من هذا المنطلق و من هذه المعتقدات ترعرع الإيمان الثابت لدى ابن الإحساء الوجيه عبد اللطيف الناصر بأنه لافرق بين الأرض والأرض أو العمل هنا أو هناك فأياً كانت الأرض فالعمل الصالح هو ما يبرز الإنسان ويؤجر عليه.
لقد بدأ المرحوم حياته التجارية في عام 1931م بتجارة التسويق المحلي دون الاعتماد على السوق الأجنبية في سد احتياجات المواطن وبقى مستمراً يخوض التجربة تلو الأخرى حتى قفز بتجارته البسيطة إلى التجارة المبنية على نظريات اقتصادية لم يقرأها في كتب بل قرأها على جبين كل من تعامل معه, واستطاع أن يستفيد من تجاربه السابقة ويكوّن لنفسه النظريات الحقيقية في عالم الاقتصاد. لقد استطاع أن يفهم احتياجات السوق المحلية والسوق المحيطة ويعمل على تلبية احتياجات هذه السوق.
فمع بداية التفكير في البحرين قام محمد بإرسال أخيه عبد اللطيف إليها في مهمة استطلاعية تجارية صعبة في عام 1931م حيث لم يتجاوز عبد اللطيف آنذاك الثالثة عشرة من عمره، وظل يتردد على تلك المهمات فيقيم عدة شهور في البحرين راجعا بعدها إلى المملكة. واستمر على ذلك النهج لمدة أربع سنوات. وفي عام 1935م افتتح المرحوم فرعا رسميا للشركة في البحرين فأقام مكتبه وفتح منزله فكان مجلسه مقراً لجميع الجالية الإحسائية.
لقد شكلت إقامته في البحرين نقطة تحول في مسار عمل وتجارة العائلة من حيث النوعية فبدأ بالاتجاه إلى مواد البناء نظراً لحاجة منطقة الخليج آنذاك إلى تلك المواد وهي تستعد لطفرات عمرانية جديدة.
فرع البحرين مؤسسة خاصة به:-
استمر الحال في الشركة إلى عام 1971م عندما أبدى الأخوان الرغبة في الاستقلالية حيث تم الانفصال والاستقلال وبدأ الحاج عبد اللطيف الناصر
و هكذا بدأ مشوارا جديدا في التجارة الخاصة به دون شراكة حيث بدأ في التركيز على تسويق المنتجات محليا بإدارة خاصة وإقليميا عن طريق وكلاء له في السعودية والخليج وعن طريق زبائن جدد وأدخل عنصراً جديداً في عمله وهو الاستثمارات العقارية في
البحرين والسعودية.
فالتجارة هي حياته التي بدأ بها مشواره والتجارة هي المهنة التي امتهنها لسنين طويلة قاربت أكثر من نصف قرن. وفي عام 1971 تحولت أعماله إلى مؤسسة رسمية (مؤسسة عبد اللطيف السليمان الناصر) حيث استطاع خلال اثنين وأربعين عاما من العمل الدؤوب أن يقفز بمؤسسته إلى التخصص والعالمية. فهو الرجل الخبير الذي يعي ما معنى التجارة وماذا يعني العرض والطلب بالنسبة للسوق..حتى أصبحت مؤسسته من المؤسسات الكبيرة والمعروفة في البحرين وذات أنشطة متفرعة في دول الخليج العربي تقدم خدماتها للمواطن والدولة في مجال الاستيراد والتصدير.
إنها رحلة طويلة قطعها هذا الرجل في عالم الاقتصاد فاستحق بكل تأكيد أن يكون من البارزين الذين سُردت سيرهم في العديد من الكتب ومن بينها كتاب «دليل البارزين في دول مجلس التعاون الخليجي» والصادر في المملكة العربية السعودية قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
وفي البحرين تنوعت تجارته وتوسعت، فلقد كانت البحرين تعتبر الميناء الرئيسي للاستيراد إلى دول الخليج، لذا فلقد استثمر الحاج عبد اللطيف الناصر هذه الميزة وابتدأ يستورد البضائع إلى البحرين ليعيد تصديرها إلى دول الخليج. وابتدأ الحاج تجارته في البحرين من مكتب في المحرق ثم انتقل إلى محل في شارع ولي العهد بالمنامة مجاورا لكبار التجار في البحرين آنذاك. ثم انتقل إلى محل في شارع التجار. وكما ذكرنا سابقا لم تكن هناك حدود لنوعية تجارته فلقد كان يقول رحمه الله بأن الإنسان لابد أن يقوم بخوض التجارب في كل مضمار حتى أن له مقولة شهيرة يرددها دائما “ إذا سلكت طريقاً في الذهاب فاسلك طريقاً آخر في العودة لأنك قد تجد شيئاً يسرك أو بضاعة تعجبك تشتريها أو تتعرف على شخص ترتبط معه بصداقة”. ولقد كان للحاج عبد اللطيف بعد نظر ورؤية ثابتة استخدمها في علاقاته وكذلك في تنمية تجارته، فعلى سبيل المثال اشترى في عام 1967 قطعة أرض كبيرة على شارع البديع في منطقة مقابة، وكان شارع البديع يعتبر آنذاك جزءاً من قرى البحرين لا يستثمر فيها التجار، وفورا شرع ببناء مجمع سكني وعمارات في ذلك الشارع، ولقد استغرب منه بعض أصحابه التجار حتى كانوا يقولون له “ من سيسكن لديك في تلك المنطقة غير الجن” ولكنه أصر على تكملة مشروعه فكانت من أوائل المجمعات التجارية والسكنية التي بنيت في تلك المنطقة وسمي بمجمع الناصر التجاري والذي مازال معلما في تلك المنطقة.
استخدامه السفن التجارية في تجارته:-
في خضم أحداث الحرب العالمية الثانية، كانت القوات البريطانية، في الخليج والبحرين، لها اليد الطولى في إدارة شئون البلاد ومنها عملية استيراد وتصدير البضائع، وكانت تحظر تصدير بعض البضائع وخاصة المواد الغذائية ولكن كان التجار يصدرون المواد الغذائية على أنها مواد كمالية وليست غذائية، ولقد كان السيد عبد العزيز العلي البسام والذي كان من كبار تجار البحرين يتباهى بأن لديه دقة في سجلات مؤسسته تقيد كل شاردة وواردة وأن الكتبة لديه لا يغفلون عن أي بضاعة دخلت أو خرجت من المستودعات. وهناك حادثة طريفة ومهمة حدثت لعبد اللطيف الناصر حيث اشترى عدة آلاف من أكياس الأرز من مؤسسة البسام لتصديرها إلى المملكة في وقت الحظر البريطاني واتفقا على أنها مواد غير غذائية وصادف أن لم يتم تسجيل خروج البضاعة من مستودعات البسام إلى عبد اللطيف الناصر وبعد أن تم تصدير البضاعة ذهب عبد اللطيف ليسدد المبلغ الكبير جدا لتلك السلعة فسأل عبداللطيف عبدالعزيز العلي البسام عن حسابه لديه فتوجه السيد عبد العزيز العلي البسام إلى كاتبه وقال له ما هو حساب الناصر فقال الكاتب الحساب = صفر (وهذا غير صحيح حيث أن المبلغ كان بعشرات الآلاف من الدنانير) فقال عبد اللطيف أنه جاء ليسدد مبلغا عليه بناء على البضاعة المشتراة وقال عبد اللطيف بأنه لا يقبل المال الحرام فما كان من عبد العزيز العلي البسام إلا أن زجر كاتبه على عدم التسجيل حيث كان يتفاخر بأن هذا الكاتب يعرف الصغيرة والكبيرة، وشركة عبد اللطيف الناصر تمتلك عدة سفن يتم استخدامها لإرسال البضائع من وإلى البحرين عبر الخليج وكان هناك عدة نواخذة يتعامل معهم في هذه المهنة ومنهم فرحان وكان مركزه الجبيل و النوخذة حمد بن ناصر، وكذلك النوخذة علي بن دلهان الذي كان كان يسمى سبع البحر.
وفي حادثة تبين مدى القوة والعزيمة لدى الحاج عبد اللطيف الناصر أنه في عام 1970استورد كمية كبيرة من الأرز حيث تم استيرادها من الهند بواسطة اللنشات الخاصة به، وعندما قاربت السفن الوصول إلى البحرين وعلى بعد مئات الأمتار من الفرضة هبت ريح شديدة وأمطار غزيرة قلبت إحدى اللنشات وتسببت الأمطار في إغراق الأرز وكانت تقدر البضاعة بعدة مئات الآلاف من الدنانير. وعندما وصل الخبر للحاج عبد اللطيف لم يجزع ولم ييأس ولكن ذكر الله وقال إن الله يرزق من يشاء وهذه هي التجارة يوم لك ويوم عليك وما زادته تلك الحادثة إلا الإصرار على المزيد من التوسع في الأنشطة التجارية.
مصنع النسيج:
في عام 1963 تعاون مع إخوانه وشركاء آخرين (البوعلي والرمضان والبحراني) في تأسيس مصنع لنسيج المشالح الرجالية ومقره منطقة الأحساء. فكان المشروع هو من أوائل المشاريع الصناعية في المملكة العربية السعودية، كما أن مصنع النسيج هذا يعتبر هو المصنع الأول والوحيد من نوعه في المنطقة العربية آنذاك الذي يقوم على استخدام الماكينة الحديثة في النسيج. ولقد قام آنذاك الوزير حسن المشاري بتوكيل من الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله بافتتاح المصنع حيث اعتبر الحدث الأهم في المنطقة.